نحن نتاج ملايين السنوات من التطور وقد أصبحت الألاف من السلوكيات والمواقف جزء لا يتجزأ من حياتنا ، كل طفل يعرف كيف يمتص الحليب من أمه لإشباع حاجته إلى الطعام وعلاقته بالبقاء على قيد الحياة وهو يعرف كيف يبكى ليعلم الأم بحاجته تلك (كوسيلة للتواصل) ، كما أنه يحرك أطرافه (الذراعين والساقين) كثيرا لتدريب أو تمرين عضلاته ، ويبدأ في وضع يده في فمه عندما يبلغ ستة أشهر وهذه الحاجة بوضع شيء في فمه لها غرض أو سبب وهو إعداد اللثة لتحمل الأسنان وبالمثل فان الطفل يزحف ويحاول المشي دون أن يعلمه أحد بغض النظر عن عدد المرات التي يسقط فيها لإشباع حاجة داخلية قوية ، وبعبارة أخرى إن الفطرة التي فطر الله تعالى الطفل عليها لها طريقتها الخاصة لجعل الطفل يصل إلى التنمية القصوى ، فالعملية بسيطة ، يشعر الطفل بحاجة قوية شديدة وملحة في فترات زمنية معينة مما يؤدى به إلى خبرات لإشباع تلك الحاجات وبالتالي يصل إلى العملية التنموية
فى إحدى التجارب العلمية وضع العلماء بعض الفئران حديثي الولادة في غرفة مظلمة وقدمت لهم كافة ضروريات الحياة باستثناء التعرض للضوء والمثير للدهشة أنه عندما تم انتشالهم بعد بضعة أشهر تحولوا إلى عميان .. هذه التجربة تثبت أهمية الخبرات المبكرة ، إذ قد تتلاشى الحاسة كليا فى غياب الخبرات المبكرة .
فى تجربة أخرى أجراها بعض العلماء بأن جعلوا بعض الفئران حديثي الولادة تجر عربة في متاهة في نهايتها يوجد طعام ، وفى نفس الوقت كان هناك مجموعة أخرى من الفئران تركب تلك العربة ، بعد عدة محاولات قاسوا مستوى قوة النظر لدى فئران المجموعتين فوجدوا ان المجموعة التي تجر العربة مستوى نظر أفرادها أعلى ولديها وضوح بصر أكثر من تلك الفئران التي تركب العربة وهذا يؤكد أهمية الخبرات المبكرة مرة أخرى .
يمكن أن نقول أن الطفل سيعانى صعوبة في المشي لبقية حياته إذا ربطنا الطفل لبضعة أشهر عندما يكون لديه فترات حساسة للحركة او حاجة ملحة للمشي وربطناه ومنعناه من ممارسة الخبرات لإشباع تلك الحاجة فسوف يعانى من صعوبة في المشي .. وهناك أمثلة على ذلك مثلا أن يتعرض الطفل لحادث عندما يكون على وشك تعلم المشي ويضطر لوضع ساقيه في الجص فهنا لن يتمكن من المشي وسيعانى من مشاكل بعدئذ لأن الوقت المناسب لتعلم المشي وإشباع حاجته إليه قد فات حتى التقنيات الخاصة لا يمكن أن تحقق الكمال في ذلك.
إن الحاجة الطبيعية خلال مرحلة الطفولة هي واحدة في كل أطفال العالم وكل طفل يمر بتلك الحاجات الطبيعية ويختبرها الا أن الخبرات التى قد يتعرض لها تختلف من طفل لآخر . فجميع أطفال العالم لديهم حاجة طبيعية للمشي عند مرحلة معينة ولكن الخبرات التي يتعرض لها كل طفل تختلف عن الآخر وهذا يؤثر على المخرجات التي يحصل عليها كل طفل . فالطفل الذى يحظى بخبرات أحسن وظروف أحسن لممارسة تلك الخبرات في فترته الحساسة يحظى بإشباع أعلى وتطور أكثر من الناحية النمائية عن الطفل الذى يخضع فيها لخبرات أقل من الفترات الحساسة .