من أكثر العبارات التي أثرت فيّ من أقوال الدكتورة ماريا مونتيسوري:
“لقد اختلفت عن زملائي من حيث شعوري بأن العيوب العقلية هي مشكلة تعليمية أكثر منها مشكلة طبية.”
قرأت هذه العبارة لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا.
كنت في بداياتي كأم.
توقفت عندها طويلًا.
شعرت بأنها تخاطب شيئًا عميقًا في داخلي.
آمنت من تلك اللحظة أن كل شيء قابل للتعلم بالتمرين.
وأن الطفل يمكن أن يصبح متعدد المواهب إذا وُجّه بالشكل الصحيح.
بدأت هذا النهج مع بناتي.
ثم طبقته في عملي كمعلمة.
في التعليم التقليدي.
وفي منهج مونتيسوري.
وفي التربية الخاصة.
مع مرور الوقت، تأكد لي شيء مهم:
المشكلات التي يعاني منها الأطفال، حتى لو بدت “عقلية”،
كثير منها لا يعود لأسباب طبية فقط.
بل البيئة المحيطة لها دور كبير.
التجاهل، الإهمال، ضعف الاستجابة التربوية… كل هذا يساهم في استمرار المشكلة.
رأيت ذلك بنفسي.
مع أطفال تأخروا في النطق. أو في المهارات البيئية أو لديهم طيف التوحد أو متلازمة داون. أو يعانون من صعوبات في التفاعل والتواصل.
لسنا دائمًا مسؤولين عن ظهور المشكلة.
لكننا بالتأكيد مسؤولون عن استمرارها.
عن تأخرنا في التدخل أو ردود أفعالنا غير الواعية.
عن اللامبالاة أو التسرع أو الاستسلام.
المسؤولية جماعية على كل من يشارك الطفل يومه.
على الوالدين و المعلمات ومدربات مونتيسوري.
الخطأ الأكبر ليس في وجود المشكلة.
بل في تجاهلها.
أو التعامل معها بأسلوب يائس.
أو انتظار الحل من الخارج.
الست سنوات الأولى من عمر الطفل هي المرحلة الحاسمة.
هي وقت بناء الدماغ.
واكتساب المهارات.
وتشكيل الشخصية.
يجب أن تكون مساهمتنا في هذه المرحلة جادة وواعية.
لا تسيّب.
لا تدليل زائد.
ولا قسوة أو عنف.
بل تدريب.
محبة.
احترام.
وتوجيه ثابت.
لنجعل من عبارة مونتيسوري مصدر إلهام دائم لنا:
“كل شيء قابل للتعلم بالتمرين.”
وتذكر دائمًا:
تعلم كيف تكون أبًا أو أمًا.
ولا تقل “آباؤنا لم يتعلموا ذلك”.
زمانهم لم يكن فيه انترنت.
ولا هواتف ذكية.
ولا تعليم مفتوح للعالم كله بنقرة زر.
أما نحن، فنعيش في عالم من الفرص.
لدينا كل الأدوات.
كل المعارف.
كل الإمكانات.
فهل سنبقى متفرجين؟
هل سنكتفي بتكرار أخطاء الماضي؟
إن كنت أبًا، أو أمًا، أو معلمًا، أو مدربًا…
فهذا واجبك:
تعلم.
درّب.
واستخدم ما بين يديك لصالح أطفالك.
هم يستحقون أن نبذل من أجلهم.
أن نواجه مشكلاتهم بشجاعة.
أن نمنحهم فرصة حقيقية لبناء ذواتهم.
ابدأ من اليوم.
لا تنتظر.
خطوة واحدة كفيلة بإحداث فرق.
تعلم.
درّب.
واصنع الفرق.

